عاشوراء - العِبر من حياة السجاد (عليه السلام)
العِبر من حياة السجاد (عليه السلام)
بمناسبة استشهاد إمامنا زين العابدين وقرة عين الساجدين (عليه السلام)، من المناسب لنا هذه الوقفة، نتلّمس فيها بعض العِبر من صفاته وحياته المباركة.
البكّاء: اي البكاء الكثير..
فإمامنا زين العابدين له الحق في هذا البكاء الكثير، لأن الذي جرى في يوم عاشوراء أمر عظيم جداً.. والإمام هو الذي بقي حياً من بين ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، وشَهِد قسماً من المعركة، لم يكن على إمامنا زين العابدين هيّناً، أن يسمع استغاثة أبيه أبي عبد الله: (هل من ناصر ينصرني)؟.. والإمام لا يمكنه النصرة، لما كان فيه من المرض المانع.. فإن رب العالمين من حكمته ابتلاه بالمرض، الذي يرفع عنه الجهاد.. وبالإضافة إلى ذلك، ما رأى من بعد عاشوراء، من حوادث الهتك، وأسر بنات النبوة، وعلى رأسهن عمته زينب (عليها السلام).
◾حقيقةً، إن ما جرى على إمامنا زين العابدين (عليه السلام) لم يكن بالأمر الهين!
فليست هنالك واقعة وكارثة أعظم منها على وجه الأرض!
فإذن، إن الظرف كان ظرفاً متميزاً.. وهذا الذي جعل الإمام السجاد (عليه السلام) يعيش حالة الحزن والبكاء حيث أنه ما كان ينظر إلى الماء، إلا ويذكر عطش أبيه.. وعندما ينظر إلى شاة تُذبح، يتذكر ما جرى على أهل بيت النبوة الذين ذُبحوا أمامه.
◾وعليه، فإن الإمام (عليه السلام) كان له الحق أن يكون بكّاءً.
إن هذه الرقة في قلب الإمام رقة ولائية، وأضيف إلى ذلك الرقة التوحيدية.
فلا نستبعد أن لا تكون طريقة البكاء وشدة البكاء وغزارة الدمع، التي كانت لإمامنا زين العابدين (عليه السلام) في جوف الليل، عند مناجاة الله عز وجل، أقل من بكائه عندما كان يذكر مصائب أبيه سيد الشهداء (عليه السلام).. فنعتقد أن دموع الخشوع والبكاء من خوف الله عز وجل، كانت مساوية في القوة والكمية وشدة التأثر، وهذا الذي نراه في مناجاته الخمسة عشرة.
فإذا كانت صفة البكّاء صفة قد لا نوفق للتأسي بها.. لأن البكاء الشديد يحتاج إلى معرفة شديدة، وإلى انكشاف بعض الحجب، فأين نحن وهذا البكاء؟ فلنتباكى من خشية الله لعلنا نحظى بالتأسي والأجر والثواب.
السجّاد: وكان من صفات إمامنا (عليه السلام)، أنه كان من الذين يأنسون بالسجود بين يدي الله عز وجل.. والحديث في هذا المجال حديث تخصصي، لا يمكن بيانه بكلمات.. ولكن إجمالاً: السجود له ظاهر وله باطن.. والفرق بين ظاهر السجود وباطن السجود، كالفرق بين الثرى والثريا!.. السجود الظاهري: أن يضع الإنسان مواضع السجود المعروفة على الأرض: الجبهة، واليدان، والركبتان، ورأسا الإبهامين.. ولكن واقع السجود أنه: معراج إلى الله عز وجل.. المؤمن في السجود ينتقل إلى عالم آخر.. ويكفي أن السجود وصف بهذا الوصف: عن الإمام الصادق (ع): (أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجدٌ باكٍ).
والإنسان إذا أراد أن يصل إلى أسرار السجود، عليه أن يتقن الصلاة اليومية بشرطها وشروطها؛ لأن من أركان الصلاة السجود.. إن أتقنت الصلاة بكل أجزائها، فقد أتقنت السجود في الصلاة.. ومن أنس بالسجود في الصلاة، سيأنس بالسجود في غير الصلاة.
وعليه، في مناسبة استشهاد إمامنا العظيم، فلننظر إلى هذه الصفة البارزة فيه.. ونرى كيف نستطيع أن نصل إلى مصاديق السجود الحقيقي تأسياً بإمامنا السجّاد (عليه السلام).
كافل الأيتام والفقراء:
لعل قرابة مئة عائلة في المدينة تفاجأت بعد استشهاد الإمام (عليه السلام)، أن الذي كان يتكفلها هو الإمام زين العابدين (عليه السلام).. فكيف بإنسان يعيل مئة عائلة؟!.. والإمام مشغول بأعمال الإمامة، وبالدعاء في جوف الليل، وبتربية تلامذته.. كيف جمع الإمام (عليه السلام) بين الدعاء في جوف الليل، ومن المعلوم أن إعالة الفقراء والأيتام، ظرفه المناسب هو جوف الليل؟
فإن كنت موالياً تحب أن تستنّ بسنة هذا الإمام فهذه سنته.
وإلا! ما الفائدة أن تجلس الليل إلى الصباح، وتسمع وتقرأ عن الإمام السجاد (عليه السلام)، وتبكي لمصابه، وثم صلاة الفجر تصليها في اليوم التالي قضاء؟!.. أو ترى محتاجًا فلا تعيله وتعينه؟
إذن، أين التأسي بإمامنا السجاد (عليه السلام)؛ الذي كان كثير السجود، وكثير العبادة؟
إن هكذا إنسان ماذا ستكون حالته عندما يأتي في عرصات القيامة، وقد تولّى إماماً ثم خالفه إلى غيره؟
◾ السَّلامُ عَلَيكَ يا سَيِّدَ العابِدينَ، وَسُلالَةَ الوَصيّينَ، وسيد البكّائين ورحمة الله وبركاته ◾