العفاف والكفاف - علاقة العفاف بالحياء
العَفاف والكَفاف
علاقة العفاف بالحياء الإيجابي والحياء السلبي
عرفنا مما سبق أن الحياء فرع من فروع العفّة، وأن العلاقة بينهما وثيقة جدّاً.
ينقسم الحياء إلى قسمين: ممدوح ومذموم .
وكونه صفة أخلاقيّة لا يعني كونه ممدوحاً بالمطلق، فهو كأيّ صفة أخلاقيّة لها حدّ إفراط وتفريط وحدّ وسط، والإنسان بنفسه يُمكنه أن يحوِّله إلى مذموم أو ممدوح تبعاً لعمله وكيفيّة الاستفادة منه.
فما كان من العقل والدين فهو الممدوح.
وما كان من الحمق والجهل فهو المذموم .
وإليه أشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "الحياء حياءان: حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل هو العلم وحياء الحمق هو الجهل"، الكافي/ج2.
الحياء المذموم: هو الحياء المنبثق من عدم الثقة بالنفس والخوف من مواجهة الناس على صعيد محادثة أو مقابلة، وإظهار الحقّ وما ينبغي إظهاره، وهذا ما يُسبِّب الجمود والانطواء للشخصية ويقيّد طاقاتها ويعيق تقدُّمها وتطوّرها، فهذا منقسم الحياء المذموم وهو (سلبيّ).
وقد نهى الإسلام عنه لأنّه يمنع من التعلُّم والتفقُّه في الدِّين ويمنع الرزق، ويحدّ الشخصيّة، ويُعطِّل قدراتها، ويَحرم المرء من الكثير من الأمور الّتي تواجهه. وبتعبير الرواية هو حرمان!
ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "قُرِن الحياء بالحرمان"، ميزان الحكمة/ج1 .
لأنّه يحرم الإنسان من الكثير، فهذا الحياء هو المذموم.
وجاء في الحديث أيضاً: "الحياء يمنع الرزق"، ميزان الحكمة/ج1 .
فكلّ ما من شأنه أن يحرم الإنسان ويُقتّر عليه في عيشه وعلمه ويحدّ من علاقاته الاجتماعيّة وتفكيره فهو مذموم.
الحياء الممدوح: هو ذلك الّذي يجعل المرء يستحي من مخالفة الله وارتكاب نواهيه، والتجاوز لحدوده الشرعيّة، فهو حياء ينبثق من الخوف منه تعالى، ويعني الدقّة والحذر الشديدين في أيِّ أمر، فهو حياء (إيجابي) إيمانيّ.. إلهيّ..
فكلُّ ما من شأنه أن يدفع بالإنسان إلى التعلُّم والتفقُّه في الدِّين وكسب العيش وإظهار الحقّ وغيرها، فلا داعي للحياء فيه، ولهذا جاء النهي عن الحياء في الدِّين.
وإنّ من أهمِّ ما يُفرّق بين الحياءين، هو أنّ الحياء السلبيّلا يُمثِّل حصانة قويّة للإنسان، لأنّه حياء معرّض للزوال والذوبان، بينما الحياء الإيجابيّ هو حياء راسخ وعميق، لأنّه ينبثق من أسس إيمانيّة وخوف من مخالفة الله تعالى وعصيانه.
وإنّ هذا الاختلاف بين الحياءين هو ثمرة العفّة والاحتشام، الّذي ينشأ من شجرة الحياء الإيماني وليس الحياء الطبيعيّ، إذ إنّ الحياء الناشئ من الطبع والعادة لا ينتج بالضرورة حبّ الاحتشام والعفّة.