www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - ها هو اليـتـيم بعين الله |11|

ديننا
ها هو اليـتـيم بعين الله
|11|

تداركت الفتنة، فصرختُ بصوتٍ عريض إمتد الى صماخ الجميع ملتفتًا إلى أبنائي: لا تأذنوا لأحد بالاقتراب حتى يتم الفداء! 
احتضن عبد الله أخوته، مودعًا إياهم، واحدًا واحدًا، وقد اغرورقت عيون عشرتهم بالدموع  الا أنهم سرعان ما حبسوها قبل أن تأخذ طريقها إلى الانهمار؛ إذ لاحوا في وجه أبيهم بوادر الهيبة والثبات.
نادى عبد المطلب ابنه بصوت جهوري، ففضّ عبد الله على عجل الوداع، ومضى نحوه في قلق، وهو يسعى أن يأتمر أمره مؤثرًا طاعته على رغبته في الحياة والبقاء. فما يدريك لعل التاريخ يعيد نفسه فيفتدى في أقصى اللحظات كما افتدى إسماعيل في سالف القرون والسنوات؟ 
أومأ عبد المطلب برأسه إلى غلامه عامر، واللوعة في عينيه، فأقبل الغلام ووضع عن كتفه المكتل، وحطّه على الأرض بين يدي مولاه، فأخرج عبد المطلب قطعة حبل، ثم تقدّم إليه عبد الله دون أن يتفوه بكلمة وقد ألصق يديه بعضها ببعض. أداره عبد المطلب برفق وكتفه، ثم نزع عمامته وخلع عباءته وأودعها عامرًا، وخرج بعبد الله الذلول المنقاد نحو المذبح.
خلع عبد المطلب هناك كوفيته وعقاله، وسلمها لعامر الذي استهل هو أيضًا بكاءه في هدوء وصمت. تناثرت على منكب عبد الله وجبهته الناصعة كالبدر.
وخرّت أخوات عبد الله للأذقان مرمّلات بالتراب.
لم يبالِ عبد المطلب بما كان يدور ويجري، فأشار إلى عبد الله بالبنان ليجثم عند المذبح.
حط عبد الله عذاره على المذبح، فركّز عبد المطلب احدى الركبتين عليه وعلّق الأخرى دون أن يجثو تمامًا، ثم شهر خنجره.
تحت أشعة الشمس، تموّجت شفرته العريضة، ثم انعكس بريقها في أحداق عبد الله.
نظر عبد المطلب خلسة، ثم شخص برأسه نحو السماء، مناجيًا يا رب الكعبة، ها أنا ودرّتي العصماء، قرة عيني عبد الله. لقد استجبت دعائي وقد حان وفائي.
وقبل أن تتضعضع عزيمته، بسط يسراه بسرعة إلى ذقن ابنه ولحيته الخفيفة وجرّ برأسه إلى الوراء.
لم يكد يدني الشفرة من منحره، حتى انبسطت إليه يد قوية، فقبضت على رسغه ودفعته عن عنقه. أدار عبد المطلب رأسه، فوقع بصره على المغيرة بن عبد الله المخزمي.
قال المغيرة في خشونة ولين: لقد جرت عادة العرب منذ قديم الأزمان أن تفدي الضحية بالمال وفاء بالعهد. فلم لا تجري عليها؟ رد عبد المطلب كارهًا غير مقتنع :أنا لست ممن يتبع الهوى، فينقض ما عاهد عليه الآلهة.
قام من بين القوم شيخ عجوز فان، يصيح : يا لبدعة شؤم تحدثها بين العرب يا بن هاشم! الولد سعة في الرزق، بتوافر الرجال ومنعتهم، تتباهى قريش وتتبجح، فلئن فعلت فإن الرجل لا يزال يأتي بابنه حتى يذبحه.
قال عكرمة بن عامر من سادة قريش لقد كنت مرجوًا فينا من قبل، ارى أن ميثاقك مع الآلهة لا تقبل عدلاً ولا تقنع بفدية؟
 قال خال عبد الله: أجل يا عبد المطلب قسمًا برب الكعبة الذي انت آمنت به هذا الكلام معقول وموزون فإن كان فداؤه بمال يدفع للكعبة، فإننا جميعًا نفديه بالمال.
تلكأ عبد المطلب وقال في تردد ولكن.
لم يهمله المغيرة وعاجله في القول لا تتردد دعنا. وهل ضربت موعدًا للوفاء بالعهد..
أعرض عن هذا يا عبد المطلب بضع أيام، عسى أن يحدث بعد ذلك في  الأمر شيء.
فقام رجل يصرخ، فلنحتكم الى الكهان.
وقال آخر: سجاح، عرّافة يثرب خير من ينهض بالأمر.
أمسك عبد المطلب عن الكلام فما له سبيل إلى الرفض..
فهلّ القوم مستبشرين. وتخاصر الشباب مغنّين.. والنساء يزغردن والأطفال يسرحون ويمرحون في حبور وسرور..
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد