أخلاق- ها هو اليـتـيم بعين الله |18|
ثقافتنا
ها هو اليـتـيم بعين الله
|18|
عرفت قبيلتنا بين العرب بالفصاحة والشجاعة؛ فكان سراة قريش إلينا يرسلون صغارهم، وفي ذلك حظ لنا من المال. في السنة تلك حبست السماء عنا قطرها؛ فألقت عشيرتنا رحلها عند حي من أحياء الطائف كــان عـامًا قاسيًا عُصر فيها الناس، وشـارف على الموت المرضى، الصغار منهم والشيوخ، وذبلت ثلة أخرى هزالاً نحولا. كان ابني ضمرة رضيعًا، وليس في ثدي ما يسمنه أو يغنيه من جوع، فقدمت به مكة في نسوة، يرافقنا زوجي الحارث. « ركـبـت حـلـيـمـة مـع ضـمـرة حـمـارة بـيـضـاء، وأنــا امـتـطـيـت ظهر شارف مــن الـنـيـاق ثــم قـصـدنـا مـكـة، نلتمس الرضعاء من أبناء الشرفاء.
قد مس حليمة الضر والنحول بعد أن اشتدت عليها القحط والجدب.
أنى نكلؤ رضيعًا من أبناء الموسرين ونرعاه، ونحن على ضيق الحال، وشـدة العوز إلى رفد الآخرين!؟
أخـذت أنـسـام الـربـيـع العليلة تـهـب مـع الـمـسـاء الـهـابـط، فبتنا الـلـيـل عـلـى قــارعــة الـطـريـق، إذ كان ضمرة يصرخ في غير انقطاع، ويبكي في غير هدوء لشدة ما مسه من ألم الجوع، كـان ضمرة منذ يومين مؤرق الليل لا ينقطع له نحيب فرقّ لجزعه قلب حليمة والرفقة من النساء.
كان النوم يخاصم عيوننا حتى الفجر، وضمرة لا ينفك يصرخ ويصيحُ فحلقت حوله، وطفت بحليمة، وفـي طريق العودة من الحرم إلـى الـدار، لفت بصري نفر من نساء البادية مجتمعات عند مدخل بني هاشم في السوق. أخبرني الـتـجـار أنـهـن يلتمسن الـرضـعـاء، فتبادر إلى ذهني، حفيدي الرضيع، محمد.
كان الربيع على أعتاب الرحيل، وأوشكت بقاع مكة أن تضطرم مـن شـدة الـقـيـظ، فتتدهور أجـواؤهـا، ثـم إن تنشئة محمد بين بني سعد سيكون أجلد لجسمه ومبعث قوة له ومصدر منعة لمستقبل أيامه. أقبلت على النسوة متسائلا: من منكن تتكفل حفيدي اليتيم؟ أطـبـقـن جـمـيـعـًا الـجـفـون، ثـم قـالـت إحــداهــن: مــاذا عـسـى أن يصنع اليتيم، والمعروف لا يرجى إلا من الآباء!؟
يتبع..