ثقافتنا
ها هو اليتيم بعين الله
|31|
إليك يا هالة، أولا!
صاحت هالة محملقة، نـادبـة: ها أنا هنا يا أبا الحارث!
ألا أوصيك بمحمد؛ فهو سبط عمك، امنحيه حنان الأمهات، قلب عبد المطلب كليل الـبـصـر بـيـن الأولاد، فـقـال: يـا بني، أنـتـم خـيـرة ولـد إسـمـاعـيـل وزبــدة سـلالـتـه، هـا أنـا سيد قريش وسائقها ألقي عليكم وصيتي: إن الرئيس عليكم من بعدي الزبير، سلمت إليه مفاتيح الكعبة وسدانتها، ولـواء نـزار.
وإلـى أبـي طالب سقاية الحاج وكفالة حفيدي محمد. خذوا عني ذلك، ولا تخالفوا قولي، ثم أوصيكم ثانية بمحمد، كونوا عند إعزازه وإكرامه، فسترون منه أمرًا عاليًا عظيمًا.
أضــاف أبــو طــالــب: سـمـعـنـا وأطـعـنـا غـيـر أنــك كـسـرت قـلـوبـنـا بوصيتك، وأزعجت أفئدتنا بقولك.
- يـا أبــا طـالـب، عـلـيـك بـالـغـلام، احـفـظـه واسـتـمـسـك بــه؛ فإنه فـريـد وحـيـد، وكـن لـه كــالأم الـــرؤوم، بـل زيــادة. أوصيتك به أنت يا أبا طالب؛ لأنك من أمه وأبيه.
ثم راح عبد المطلب يتفقد بركة، فإذا حضرت عنده، قال لها: أنــت يـا بـركـة طيبة وأمـيـنـة، وقـد تعلق بـك محمد، فـلا تغفلي عنه وأظهري عليه حدبة وواسيه!
-أبشر، يا مولاي
مسح عبد المطلب العبرات، وكفكف دموعه بمنديله الأبيض ثم سكت ولم ينبس ببنت شفة فقال عبد الـمـطـلـب بـصـوت خـفـيـض، أعـيـی عـلـى الـجـالـسـيـن سـمـاعـه: كفكفوا العبرات وهونوا على النفوس، فلا بد من هذا المصير، ارجعوا إلى الدور؛ فإن الأهل في انتظار. تـقـدم إلـيـه كـل فـي ضـراعـة ونـحـيـب، فـأمـطـروا منه الـوجـه قبلة واليدين. فلما هموا بالخروج، رأوا محمدًا يهرول ساعيًا نحو الغرفة، فاندس بين العمات والأعمام، وشق طريقه حتى جده، فعانقه وحط على صدره رأسه، وبكى شجوه، فعاودوا معه العويل.
يتبع..