ثقافتنا
ها هو اليتيم بعين الله
|32|
الليل ساج. صامت. ووجه القمر قد توارى في سحاب صفيق، ومكة غارقة في سبات عميق وأولاد عبد المطلب هـنـاك فـي ديـارهـم رقــود. وهـالـة وعـبـاس عند عبد المطلب هجوع. ومحمد في المنفى؛ فقد اضطروه هو وحمزة إلى الغرفة المحاذية. وها هو حمزة شأنه شأن محمد قلق على أبيه.
ضـاق محمد بهواء الغرفة ذرعـًا، وثقلت عليه وطـأة الأنفاس، خشي الاختناق إذا مـا استمرت بـه هـذه الـحـال. وأنـى لـه مـا يبل بـه حلقه، فقد رقـأ وجـفّ كـل شـيء حتى مـآقـيـه! فـقـام مـن فـراشـه وانسحب من الغرفة برفق ولين.. تنهـد مـحـمـد، ثــم رقــى بـبـصـره إلــى الــســمــاء: هــا هــي الـغـيـوم تكاثفت ثم راحـت تنزلق قطرة مطر على خـده.
الـسـمـاء بـسـتـرهـا الـقـاتـم لـفـتـت نـظـر مـحـمـد، فـأخـذ يـتـأمـل في ظلمتها الكثيفة كأنما يريد أن يروزها تمحيصًا. فذكرته ببادية حليمة، حيث كـان ينشدّ إلـى سمائها ولا سيما فـي الـظـلام. ويـسـرح النظر طويلاً في أفقها السحيق، في الأبدية المدهشة، بينما كان يغطّ في أفكاره؛ متدبرًا:
مـن أيــن جــاءت هــذه الـنـجـوم الـتـي لا تـعـد ولا تـحـصـى؟ أزلـيـة هي أم حـادثـة؟
سأل جدّه ذات مرة
- أين أبواي الآن؟
- ابني، هما في الآخرة.
- وكيف يعيش الناس هناك؟
بني، لهم الحسنى إن أحسنا، وعليهما ما اكتسبا من الظلم والسوء.
أبرقت السماء الحالكة، فتألق الفناء نـورًا وجلجل هزيم الرعد فانهمر وابل المطر. اشـتـدت وطــأة الـنـعـاس على أجـفـان محمد، فـقـام ليرجع إلى الغرفة، ويغفو قليلا.
يتبع..