واجعله اللهم مفزعاً لمظلوم عبادك..
معالي الدعاء
شرح دعاء العهد
(واجعله اللهم مفزعاً لمظلوم عبادك، وناصراً لمنلايجد له ناصراً غيرك، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك، ومشيدًا لما ورد من أعلامدينك وسنن نبيك..)
المفزع: هو الملجألغوياً.. فهذا يعني أنه عليه السلام هوالملجأ الذي يقصده المظلومون.
والملجأ مادياً هو المكان المحصن من السوء،سواء أكان ذلك من العدوان العسكري مثلًا أو من أية ظواهر تعصف بهذا المكان أو ذاك، حيث أن الملجأ يظل مكاناً آمناً لا تصلإليه يد السوء.. وإذا عرفنا ذلك، فإن ظهور الإمام عليه السلام سوف يحقق للمظلومينملجأ لا يخشون من خلاله أن يطالهم السوء أياً كان مصدره ونمطه.. ويكفينا أن تتداعىبأذهاننا في هذا السياق بالمأثور الوارد عن المعصومين عليهم السلام من أن الأرضبعد أن تملأ جوراً أو ظلماً، فإن الإمام المهدي عليه السلام يتكفل من خلال الظهوروحركته الإصلاحية إزالة الظلم المذكور هذا يتناغم دلالة مع العبارة: أنه عليهالسلام مفزع لمن وقع عليه الظلم..
(ومجدداًلما عطل من أحكام كتابك...)
العطل لغوياً هو:تعطيل القلادة عن اللبس، وقد تعني: الخلو.. وتوقف الأحكام القرآنية، أي عدم العملبها..
من الواضح، أن تعطيلالقلادة عن الجيد، يعني: ذهاب الجمالية المطلوبة.. وبهذا، فإن الرمز لهذه الظاهرةهو: أن عدم العمل بأحكام القرآن يذهب بحيوية وفاعلية وجمالية وفائدة السلوك غيرالملتزم بما جاء في القرآن الكريم فمثلًا عدم الالتزام بأحكام النكاح والطلاقوالإرث.. والخ، في صعيد المعاملة، أو عدم الالتزام بتوصيات القرآن الكريم حيالأولي الأمر، أو ذوي القربى أو أهل البيت: في صعيد الموالاة العقائدية، أو عدمالالتزام بمبادئ السلوك الاجتماعي القاضي بعدم الغيبة والبهتان والنميمة والكذبوالمنابزة بالألقاب.. الخ نقول: إن عدم الالتزام بما ورد في الكتاب الكريم منالمبادئ العقائدية والفقهية والأخلاقية، يقضي بالضرورة إلى فساد المجتمعات، ومن ثمتتعطل المجتمعات من حيويتها ومن كل ما يرتبط بإشباع حاجاتها، تبعاً لتعطل الأحكامالقرآنية الكريمة..
"مجدداً لها".. إنّ عملية التجديدتعني: أن الشيء يصبح جديداً، وهذا يعني: أن العمل بأحكام القرآن يصبح جديداً، بعدأن توقف العمل بها، فالتجديد هنا للعمل وليس للأحكام بطبيعة الحال.. لذلك، فإنالتجديد لما عطل من الأحكام، يصبح استئنافاً للعمل بها بعد التوقف.. والنكتة بعدذلك هي: أن التجديد للعمل بأحكام القرآن سوف يشكل مقدمة لبناء جديد للدين، وهذا مااطلعت به العبارة التالية لها وهي: (ومشيداً لما ورد من أعلام دينك).. فهنا عمليةتشييد أي عملية بناء بعد عملية تجديد، أي: البناء العام للشريعة أو الدين، فيقيامه على أساس من أحكام القرآن على نحو ما يشير الدعاء إليه فيما بعد من السننالنبوية الكريمة...
ثلاث عبارات تتصل جميعاً بمبادئ الله تعالى أوشريعته وهي:
كتاب الله تعالى،ودين الله تعالى،وسنن النبي (صلوات الله عليه وآله)
فما هي دلالتها؟
المقصود من (الدين)هو الإيمان بالله ومبادئه العامة...
وأما (الكتاب) فهو القرآن الكريم بما يتضمنه منالمبادئ العامة والجملة والمفصلة في آن واحد، أي: ثمة آيات تتناول المبادئ العامةلدين الله تعالى، وثمة آيات جملة من حيث أحكامها أو سائر ظواهرها في مجال السياسةوالأخلاق والاقتصاد والاجتماع وغيرها، بالإضافة إلى وجود آيات مفصلة أو محكمة.
وأما سنن النبي (صلوات الله عليه وآله) فهيالمبادئ التي فصلها النبي من مجمل الكتاب أو الموحاة إليه من قناة الغيب عن مختلفطرق الوحي...
فالإشارة إلى الكتاب والدين والسنن: ترتبطجميعاً بما طالها من التعطيل لمبادئها من خلال المنعزلين عن السماء أو المتمردين على مبادئه تعالى كالمنعزلين عنالتمسك بالثقلين، أو مطلق المنحرفين...
(ومشيداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك)
الورد هنا يقابلالصدور، بمعنى أنّ ما صار إليه الدين وهو يرمز بذلك إلى تحريف المنحرفين، وتعطيلمبادئ الشريعة، هو ما صار إليه دين الله تعالى وسنن النبي صلى الله عليه وآله .منهنا، يتوسل الدعاء بالله تعالى بأن يجعل الإمام المهدي (عجل الله فرجه) (مشيداً)أي (رافعاً) لما آل إليه الدين من التعجيل وعدم العمل بمبادئه...
(أعلام) قد يتداعى ذهن قارئ الدعاء الى أن (الأعلام) قد يكون جمع علم، الذي هو(راية) مثلاً أو (علامة) أو (علم شخصي)...
بينما يقصد به(الأثر) هو: ما تبقى من ملامح الشيء، من الممكن أن يرفع بناؤه من جديد بعد أناندرس أو بقيت بقاياه.. تبعاً لما هو مستخدم لغوياً في التراث وسواه...
ولذلك يكون المعنىهو: التوسل بالله تعالى بأن يجعل الإمام المهدي (عجل الله فرجه) مشيداً لما صارتإليه آثار الدين وسنن النبي صلى الله عليه وآله.