ديننا
نفحات نورانية من المناجاة الشعبانية
|2|
(إلهي وقد أفنيت عمري في شرة السهو عنك، وأبليت شبابي في سكرة التباعد منك..)
في هذه الفقرة من المناجاة يفتح أمير المؤمنين (عليه السلام) باباً آخر لمحاسبة النفس ومعاتبتها ومعاقبتها، بسبب الغفلة والسهو عن المولى تبارك وتعالى والتباعد منه في فترة الشباب.
إنّ الغفلة عن الله تعالى هي نوع من الاستخفاف بوجود المولى جلّ اسمه، فهي تزيد كدورة القلب، وتُمكّن النفس والشيطان من التغلّب على الإنسان.
وقد عبّر بـ "سكرة التباعد" لمن يتذكّر أوجّ شبابه ويتحسّر على ضياعه؛ فذلك لأنّه كان في حالةٍ تشبه السّكر في بعده عن الله تعالى، بمعنى أن عقله كان لا يعمل في تلك المرحلة بشكلٍ صحيحٍ.
تبيّن هذه الفقرة من المناجاة أنّ موجبات البعد عن الله عز وجل لا تقتصر على الذنوب وارتكاب المعاصي، بل إنّها تشمل أيضاً الغفلة والسهو عن ذكر الله عز وجل والتباعد منه، وهذا يحتاج إلى استغفار وتوبة واعتذار من الله تعالى.
هي إذن يقظة القلب والجوارح التي يلقيها المولى بنفحاته على عبده ليعيش هذا الهاجس من الألم والحسرة والندم، فيحاسب نفسه ويعاتبها، ويقرّ بذنبه فيستغفر ويتوب ويؤوب إلى الله تعالى سائلًا رحمته وغفرانه وصفحه وفضله ولطفه، إذ لا ملجأ منه إلا إليه ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾(1)، فلعله بذلك يعيد تلك الجسور التي انقطعت، ويرمم ما أمكن ترميمه، فيكون هذا الإقرار والاستغفار سبباً بالقرب منه تعالى ليعود المدد الإلهي لقلبه، فتظلّله الرحمة والفيوضات الربّانية ويشعّ نوراً وهدى.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الشورى: 25
بقلم فضيلة الشيخ محمد سعد