أشهر النور - المناجاة الشعبانيّة |3|
المناجاة الشعبانيّة
|3|
تحوي المناجاة الشعبانية بمقدار النصف أو ما يزيد هذه الاعتذارات والتبريرات؛ بغية أن يصير الإنسان مؤهّلًا ولائقًا للعفو، مبعدًا عن نفسه التلّوث والقذارة التي تطرده من ساحة القدس والقداسة. وحين يسمح الله للعبد أن يكلّمه بهذا اللسان، ويتركه يسترسل في الحديث معه فقد أدخله ساحة رحمته وشمله اللطف والعفو، وأدرك القرب، وإن لم يعد يريد شيئًا ممّا طلبه سوى هذا القرب.
فإنّ من الذنوب ما يخرج العبد من الساحة الإلهيّة لكي يصبح مورد غضب الربّ وسخطه، وهذا ما يحرص أن لا يكون كذلك، فيستعيذ به تعالى أن يكون محلّ غضبه، ويستجلب سخطه. فلا تكمن المشكلة فقط في الاعتراف بالواحد الأحد، فإبليس مثلًا لم يكن منكرًا لخالقية الله له، بل دعته روحه الاستكباريّة لإنكار الربوبيّة التشريعيّة، رفض أن يطيع الله من حيث أراد، أراد أن يعبد الله من حيث يريد هو، وتريد نفسه فكان كفره أسوأ الكفر، وأخرجه الله من رحمته، وحُرم من عطف الله ولطفه فاستوجب غضبه.
ثمّ ينادي هذا العبد الضعيف ربّه “إلهي” أعرف أنّي لا أستحقّ الرحمة بأفعالي وأعمالي غير اللائقة، ولكنّك أهل الجود وصاحب السعة الكبيرة، فلا تعامل عبيدك بما يستحقّون من الفضل، بل بما أنت عليه من الرحمة الواسعة التي تشمل كلّ البشر والحجر. وأنا يا ربّ أقف بين يديك، وإن كانت يداي خالية، إلّا أنّ حسن التوكّل عليك أن تعاملني بعفوك "إِلهِي إِنْ حَرَمْتَنِي فَمَنْ ذا الَّذِي يَرْزُقُنِي وَ إِنْ خَذَلْتَنِي فَمَنْ ذا الَّذِي يَنْصُرُنِي، إِلهِي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَضَبِكَ وَحُلُولِ سَخَطِكَ، إِلهِي إِنْ كُنْتُ غَيْرَ مُسْتَأْهِلٍ لِرَحْمَتِكَ فَأَنْتَ أَهْلٌ أَنْ تَجُودَ عَلَيَّ بِفَضْلِ سَعَتِكَ، إِلهِي كَأَنِّي بِنَفْسِي واقِفَةٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَقَدْ أَظَلَّها حُسْنُ تَوَكُّلِي عَلَيْكَ فَقُلْتَ ما أَنْتَ أَهْلُهُ وَتَغَمَّدْتَنِي بِعَفْوِكَ".
وإذا كان العفو حسنًا فمن أفضل منك ليعفو؟ وإن عفوت فذلك ليس بعيدًا عنك وعن رحمتك. وإن كان عملي لم يقرّبني إليك، وقد حكمت عليّ بنهاية أجلي، فإنّي يا إلهي أعترف بذنبي، وأجعل هذا الإقرار وسيلتي للتقرّب إليك وإلى رحمتك"إِلهِي إِنْ عَفَوْتَ فَمَنْ أَوْلَى مِنْكَ بِذلِكَ وَ إِنْ كَانَ قَدْ دَنا أَجَلِي وَلَمْ يُدْنِنِي مِنْكَ عَمَلِي فَقَدْ جَعَلْتُ الإِقْرارَ بِالذَّنْبِ إِلَيْكَ وَسِيلَتِي، إِلهِي قَدْ جُرْتُ عَلَى نَفْسِي فِي النَّظَرِ لَها فَلَها الْوَيْلُ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَها، إِلهِي لَمْ يَزَلْ بِرُّكَ عَلَيَّ أَيَّامَ حَياتِي فَلاَ تَقْطَعْ بِرَّكَ عَنِّي فِي مَماتِي، إِلهِي كَيْفَ آيَسُ مِنْ حُسْنِ نَظَرِكَ لِي بَعْدَ مَماتِي وَأَنْتَ لَمْ تُوَلِّنِي إِلاَّ الْجَمِيلَ فِي حَياتِي".
هذا الاعتراف بالذنب هو دليل على أنّ الإنسان لم يُبتلَ بالعُجب والأنانيّة وعبادة الذات، لأنّه حينها لن يكون مستعدًّا للاعتراف بخطئه حتّى في الخلوة. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى نماذج عن بعض الأشخاص مثل ابن نوح وزوجتَي نوح ولوط كدليل على أنّ كون الإنسان في بيئة صالحة لا يلزمه أن يكون صالحًا. ومن جانب آخر، ضرب الله مثلًا زوجة فرعون التي كانت تعيش في بيت طاغية إلّا أنّها وصلت إلى مقامات عرفانيّة عالية.
يتبع..