المناجاة الشعبانيّة
|6|
يطلب الإمام زين العابدين (ع) في المناجاة الشعبانيّة من الله، بلسان العباد جميعهم، أن ينظر إليه نظر المطيع لا نظر العاصي الذي لا يستحقّ النظر إليه. إذ بيننا وبين الله نوعين من الروابط:
وهنا تبرز فائدة عبارة “انظر إليّ نظر مَن ناديته فأجابك” أي ارحمني، وانظر إليّ نظر المطيع الذي يجيبك دائمًا، ولا تنظر إليّ نظرة الغضب لإساءتي. ويناديه بالجواد الذي لا يبخل عمّن رجا ثوابه. والجواد هو الذي لا يعطي لمجرّد الاستحقاق، بل يعطي الجميع المستحقّ وغيره من دون منٍّ…
ثمّ يطلب العبد من الله أمورًا أبعد من الأشياء الماديّة الزائلة:
هذه الأمور الثلاثة التي يطلبها هي طريق يبدأ بالحبّ، وينتهي باللقاء. نهجٌ يتبعه السالك إليه سبحانه، ليصل إليه ويلقاه، ويأنس به، "إِلهِي هَبْ لِي قَلْباً يُدْنِيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ وَلِسانَاً يُرْفَعُ إِلَيْكَ صِدْقُهُ وَنَظَراً يُقَرِّبُهُ مِنْكَ حَقُّهُ"
وحين يرتبط العبد ارتباطًا حقيقيًّا بالله يصبح معروفًا بهذا الارتباطه عند أهل الدنيا الصالحين، ومعروفًا عند أهل الآخرة. والشهرة التي يطلبها العبد هنا ليست مذمومة بدافع الهوس مثلًا، بل شهرة تصبّ في طلب الرضا من الله، من أجل خدمة الآخرين، كأن يصبح معروفًا مقبولًا عند الناس؛ لكي ينشر الخير وحب الله، ويصبح كلامه مقبولًا عندهم.
كما أنّ من لاذ بالله فقد دخل في حصن حصينة لن يُخذل بعدها أبدًا، ومن أنس بالله لن يملّ هذه اللذة والسعادة كما يحصل مع العشّاق أو الأصدقاء بعد فترة من الوصال، لأنّ الله هو الكمال المطلق الذي لا يمكن لأحد أن يدركه مهما تقرّب وأنس، وهذا هو السبب الذي يجعل العبد كلّما اقترب منه سبحانه كلّما زاد حبًّا وولهًا لينهل المزيد.
كذلك من استمدّ من الله العون فسيعينه الله حتّى يسلك الطريق الواضح. ومن اعتصم بحبله تعالى لن يسقط لأنّه استمسك بحبل متين لا يخذله، ولن ينقطع "إِلهِي إِنَّ مَنِ أنْتَهَجَ بِكَ لَمُسْتَنِيرٌ وَ إِنَّ مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ لَمُسْتَجِيرٌ وَقَدْ لُذْتُ بِكَ يا إِلهِي فَلا تُخَيِّبْ ظَنِّي مِنْ رَحْمَتِكَ وَلا تَحْجُبْنِي عَنْ رَأْفَتِكَ إِلهِي أَقِمْنِي فِي أَهْلِ وِلايَتِكَ مُقامَ مَنْ رَجَا الزِّيادَةَ مِنْ مَحَبَّتِكَ، إِلهِي وَأَلْهِمْنِي وَلَهاً بِذِكْرِكَ إِلَى ذِكْرِكَ وَهِمَّتِي فِي رَوْحِ نَجاحِ أَسْمائِكَ وَمَحَلِّ قُدْسِكَ، إِلهِي بِكَ عَلَيْكَ إِلاَّ أَلْحَقْتَنِي بِمَحَلِّ أَهْلِ طاعَتِكَ وَالْمَثْوَى الصَّالِحِ مِنْ مَرْضاتِكَ فَإِنِّي لا أَقْدِرُ لِنَفْسِي دَفْعاً وَلا أَمْلِكُ لَها نَفْعاً"
يتبع..