www.tasneem-lb.net

تاريخي

تاريخي - الخطبة الفدكية |3|

قدوتنا
مقتطفات من الخطبة الفدكية (شرح وتحليل لفصاحة الخطابة والبيان..)
|3|

◼ وفي لفتة جميلة تنتقل عليها السلام إلى أهمّ ما جاء في القرآن الكريم من أحكام وشرائع، مع بيان مقتضب وعميق لفلسفة الأحكام، كالصلاة والصيام، والحج والجهاد والقصاص، فالتفتت عليها السلام إلى أهل المجلس وقالت: "... فجعل الله... الصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجّ تشييداً للدين، والجهاد عزّاً للإسلام وذلاً لأهل الكفر والنّفاق...".

◼ "الصّلاة تنزيهاً لكم عن الكبر"
فالصّلاة في منطق الزّهراء عليها السلام رفع للإنسان من حضيض التكبُّر إلى مستوى التّواضع، وهي ابتداءٌ لصلة روحيّة بين الإنسان وخالقه، تتّخذ طابعاً خاصّاً من الدُّعاء والتجرُّد، ولوناً متميّزاً من السُّلوك، فحين يقف المرء أمام خالقه الكبير يعلن اعترافه بربوبيّته وعبوديّته وحاكميّته المطلقة. والاعتراف بالعبودية لله تعالى يرسم للمسلم الواقعيّ صورةَ حياة مثاليّة متعدّدة الجوانب، مطبوعة بطابع الخضوع المُطلق للعزيز الحكيم. وبهذا، تُلغى كلُّ معالم الخيلاء والتكبُّر من المجتمع الذي يعيش في إطار الرسالة الإسلاميّة، وعمليّة الإلغاء لصفة التكبُّر في نفسيات الأفراد بعضهم على بعضهم الآخر، لا تتمّ إلّا عن طريق الشعور بالخضوع لله وحده.

◼ "والزكاة تزكية للنّفس ونماء في الرّزق"
يتكرّر في كثير من آيات التشريع المباركة ذكر الزكاة بعد ذكر الصّلاة، ولهذا السّر عينه فإن الزّهراء تجلّي فلسفة الزّكاة. والسرّ في ذلك أنّ الله خلق الإنسان وخلق معه غرائز وطاقاتٍ لا يمكن التغاضي عن إشباعها، وفي طليعة هذه الطّاقات غريزة حبّ التملُّك. وعندما تستبدُّ هذه الغريزة بالإنسان تجعل من حياته حياةً جافّةً سلبيةً لا تحمل في رحابها أيّ نوع من أنواع الرّحمة والعطف تجاه الفقراء. ولهذا، فإنّ أحد المقوّمات التي رسمها الإسلام الحنيف لتوجيه غريزة التملُّك توجيهاً تربويّاً ينتفع منه الفرد والمجتمع بعيداً عن عنفوان الأنانيّة والاستئثار، ففرض ضريبة الزّكاة على الأغنياء ما داموا يعيشون في مستوى لائق من العيش.
أمّا في الوجه الثاني لفلسفة الزكاة، فتقول عليها السلام: "ونماءً في الرّزق"، فليست الغاية من الزكاة تزكية النفوس من الأنانيّة والبغضاء -فحسب- وإنّما لها غاية تتعلّق بمحيط الإنسان -نفسه- فينمو رزقه وتزداد ثروته وتكثر خيراته.

◼ "والصّيام تثبيتاً للإخلاص"
الصّوم الذي فرض الإسلام طبيعته وحدّد إطاره: هو إقلاع عن المتطلّبات الجسمية من أكل وشرب وجماع، وفيه تتحقّق عمليّة قهر أعنف الغرائز في كيان الإنسان، فتقهر غريزة المعدة والغريزة الجنسيّة. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، وإنّما يتعدّاه إلى صوم الجوارح. وثّمة نقطة أُخرى تلوح لنا كشعاع ينبثق من فريضة الصّيام، هي: أنّ المسلم الذي استطاع أن يكبت أشدّ غرائزه إلحاحاً، وأعظمها خطراً، فانتصر عليها هازئاً بالمادّة، هو أقدر على أن ينتصر لمبدئه الذي استجاب هو لندائه، فمنع نفسه عن لذاتها ومشتهياتها، ليدكّ صروح أعدائه، وإن أدلهمّ الخَطب وازدحم الدّرب بالمخاطر، وحينئذ يبرهن على فاعليّة إيمانه وعلى مدى إخلاصه لله سبحانه(1).
يتبع..

⭕ هوامش:
(1) الزهراء عليها السلام العالِمَة/ الشيخ حسن أحمد الهادي أستاذ في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالمية، لبنان.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد